شبح اعتقالات اسرائيل الليلية يطارد عائلات فلسطينية واطفالها
مخيم بلاطة، الضفة الغربية (أ ب)- كان الفتى الفلسطيني يوسف مشيع ( 15 عاما) نائما عندما اقتحمت القوات الإسرائيلية منزله في الساعة الثالثة فجرا.
وقال انه في غضون لحظات كان ملقى على الأرض بينما الجنود يلكمونه ويمطرونه بالسباب. وضرب جندي صدر والدته بعقب بندقيته وحبسها في غرفة، حيث ظلت تصرخ بلا جدوى.
نقل يوسف وشقيقه الأكبر وائل من منزلهما في مخيم بلاطة للاجئين شمالي الضفة الغربية، وكان يوسف يرتدي قميصا داخليا بلا أكمام ولا يستطيع الرؤية بدون نظارته.
وقال للأسوشيتدبرس من غرفة معيشة امتلأت بصور وائل، الذي لا يزال محتجزا ”لا يمكن أن أنسى تلك الليلة... عندما أخلد إلى النوم أسمع حتى اليوم صوت الرصاصات والصراخ.”
كشف تقرير ستصدره منظمة حقوق الإنسان الإسرائيلية “هموكيد” ( مركز الدفاع عن الفرد) يوم الإثنين المقبل عن أن الجيش الإسرائيلي اعتقل واستجوب مئات الفتيان المراهقين الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة عام 2022، دون إصدار أي استدعاء أو إخطار لعائلاتهم.
تراوحت لوائح اتهامهم ما بين جرائم بسيطة مثل التواجد في إسرائيل بدون تصريح إلى مخالفات أمنية مثل رشق الحجارة أو قنابل المولوتوف.
ذكر بعض الفتية أنهم اعتقلوا بهدف الادلاء بمعلومات عن الجيران أو أفراد الأسرة للسلطات الاسرائيلية.
تقول منظمة هموكيد إن اغلب عمليات اعتقال القصر الذين لا تتجاوز أعمارهم 14 عاما التي قام بها الجيش العام الماضي كانت تتم ليلا بعد انتزاعهم من فراشهم واستجوابهم وهم محرومون من النوم ومن تناول الماء او الطعام، او استخدام المراحيض.
قال يوسف إن الجنود ضربوه عندما طلب قضاء حاجته خلال سبع ساعات قضاها متوجها الى مركز الاحتجاز.
يقول الجيش الإسرائيلي إنه يمتلك سلطة اعتقال القصر وفق ما يرى خلال مداهمات ليلية متأخرة، بينما يقول محامون وحقوقيون إن هذا الاسلوب يتعارض مع وعود إسرائيل بإبلاغ الآباء بشأن اي مخالفات مشتبه بها يرتكبها ابناؤهم.
قالت جيسيكا مونتيل، مديرة هموكيد ”طالبنا أن تكون الاعتقالات الليلية للقصر هي الملاذ الأخير”.
قبل عامين، وردا على التماس للمحكمة العليا قدمته هموكيد، أعلنت إسرائيل عن إجراء جديد لاعتقال الفلسطينيين القصر.
فمن اجل ”خفض الضرر الذي يلحق بالسكان المدنيين”، طلبت الحكومة الإسرائيلية من الجيش ابلاغ الآباء بضرورة إحضار أبنائهم القصر لاستجوابهم.
دخلت هذه السياسة حيز التنفيذ نهاية عام 2021، الا انه بحسب احصائيات قدمت للمحكمة العليا ابلغ الجيش الأهالي الفلسطينيين بضرورة اخضار ابنائهم للاستجواب بضع مرات فقط.
لكن الوضع العام الماضي كان مختلفا، ففيما يقرب من 300 حالة تتبعتها هموكيد في الضفة الغربية المحتلة لم تتلق أي عائلة استدعاء.
لم تكن المخالفات البسيطة التي تم فيها الإفراج عن القصر دون توجيه تهم - كما حدث ليوسف - استثناء لذلك.
ذكرت هموكيد أن هذه الاحصائيات غير كاملة لأنه يعتقد أنه لم يتم الإبلاغ عن عشرات من الحالات المماثلة.
قال مدير برنامج المساءلة في الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال، عايد أبو قطيش ”إنهم لا يطبقون الإجراء الذي وضعوه بأنفسهم ... هذا جزء من فلسفة الاستجواب: أن يكون الأطفال مرعوبون ومرهقون”.
ردا على طلبنا بالتعليق اجاب الجيش الإسرائيلي أنه يقوم باستدعاء قصر فلسطينيين يشتبه في ارتكابهم مخالفات بسيطة وليس لديهم تاريخ من إدانات جنائية خطيرة، الا انه استطرد قائلا إن هذه السياسة لا تنطبق على الجرائم الخطيرة أو ”عندما يضر الاستدعاء للتحقيق بالهدف منه”.
لم يعلق الجيش على اعتقال يوسف، لكنه قال إن شقيقه وائل (16 عاما) يواجه تهما خاصة ”بجرائم مالية خطيرة”، منها ”الاتصال بالعدو” و ”الحصول على أموال بالمخالفة للقانون” ومساعدة ”منظمة غير مشروعة”.
تعني هذه الاتهامات عادة اتصال فلسطينيين بأشخاص في قطاع غزة الذي تحكمه حماس.
ورغم أن هموكيد وجدت أن معظم الاستجوابات تقريبا انتهت الى اسقاط التهم، إلا أن شبح الاعتقال في وقت متأخر من الليل يظل يطارد هؤلاء القصر بعدها لفترة طويلة.
فبعد نحو شهرين من اعتقاله في 7 نوفمبر تشرين ثان لم يعد يوسف كما كان، كما قالت والدته هنادي مشيع للاسوشيتدبرس.
فهو لا يستطيع التركيز في المدرسة، كما لم يعد يلعب كرة القدم أو يسبح. وهي تنام الى جانبه احيانا، لتحتضنه وتطمئنه عندما تأتيه كوابيس كثيرا ما تأتيه.
قال يوسف ”أشعر كأنني تحت مراقبة دائمة، وأشعر بالخوف عندما توقظني أمي في الصباح للذهاب إلى المدرسة”.
أعلنت منظمة بتسيلم الإسرائيلية الحقوقية أن القوات الإسرائيلية قتلت العام الماضي 146 فلسطينيا على الأقل، منهم 34 طفلا، ما يجعل عام 2022 الأكثر دموية بالنسبة للفلسطينيين في الضفة الغربية منذ 18 عاما.
بحسب الجيش الإسرائيلي معظم القتلى الفلسطينيين من النشطاء. لكن شبابا محتجين على المداهمات وآخرين لم يشاركوا في مواجهات، قتلوا ايضا.
قتلت الهجمات الفلسطينية ما لا يقل عن 31 إسرائيليا العام الماضي.
تقول إسرائيل إن الهدف من المداهمات هو تفكيك شبكات النشطاء وإحباط اي هجمات مستقبلية. وادان الفلسطينيون المداهمات ووصفوها بأنها عقاب جماعي يهدف إلى ترسيخ الاحتلال الإسرائيلي المستمر منذ 55 عاما لأراض يطلب بها الفلسطينيون ضمن دولتهم المستقبلية. ولا تقتصر عمليات المداهمة والاعتقال الليلية على الضفة الغربية فقط، بل تقوم الشرطة الإسرائيلية بمداهمات منتظمة في الأحياء الفلسطينية بالقدس الشرقية.
ففي الخريف الماضي في حي بيت حنينا في القدس، قرع باب منزل رانيا إلياس قبل الفجر. وكان نجلها الأصغر، شادي خوري (16 عاما)، نائما عندما اقتحمت الشرطة الإسرائيلية المنزل وطرحت شادي أرضا ولكمته في وجهه.
قالت رانيا إن الدم تناثر في كل مكان، ثم اقتادته الشرطة إلى مركز اعتقال في القدس للاستجواب يوم 18 أكتوبر / تشرين اول.
وأضافت: ”لا يمكنك تخيل الشعور بالعجز لإنقاذ ابنك”.
ردا على طلبنا بالتعليق قالت الشرطة الإسرائيلية إنها اتهمت شادي بالانتماء إلى مجموعة رشقت سيارة عائلة يهودية بالحجارة يوم 12 أكتوبر / تشرين اول، واصابة أحد افرادها.
يقول الفلسطينيون إنهم يخشون على أبنائهم أكثر من أي وقت مضى، في ظل حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو القومية المتطرفة الجديدة، اذ ان بعض أكثر وزرائها نفوذا هم من المستوطنين الإسرائيليين الذين توعدوا بتشديد المواقف ضد الفلسطينيين.
يقول الناشط مراد الشيتاوي الذي اعتقل ابنه خالد (17 عاما) في مارس آذار الماضي في مداهمة ليلية لمنزلهم في بلدة كفر قدوم بالضفة الغربية ”كانت هذه من أحلك اللحظات في حياتي.. اصبحت دائم القلق على أبنائي.”
___
ساهم في هذا التقرير الصحفي بالأسوشيتدبرس سام ماكنيل من مخيم بلاطة للاجئين بالضفة الغربية.